في السنوات الأخيرة، تزايد القلق بشأن ارتفاع عدد حرائق المنازل الناجمة عن اشتعال البطاريات، لا سيما تلك المستخدمة في الدراجات الكهربائية (e-bikes) والسكوترات وغيرها من الأجهزة الإلكترونية. مع ازدياد شعبية هذه الوسائل والأجهزة، تصاعدت أيضاً الحوادث المتعلقة بالبطاريات. هذا الاتجاه المقلق دفع الجهات المختصة، مثل إدارات الإطفاء والهيئات التنظيمية وخبراء السلامة، إلى التحذير من المخاطر الخفية لبطاريات الليثيوم-أيون.
آلية اشتعال بطاريات الليثيوم-أيون
تعد بطاريات الليثيوم-أيون تقنية رائعة، فهي توفر كثافة طاقة عالية، وتصميم خفيف الوزن، وعمر طويل. ومع ذلك، فإنها تأتي مع مخاطر كبيرة. هذه البطاريات تخزن كميات كبيرة من الطاقة في مساحة صغيرة، وعندما يحدث خلل ما، تكون النتائج كارثية. قد تشتعل البطارية عند تلفها أو شحنها بشكل زائد أو تعرضها لدرجات حرارة مرتفعة، مما يؤدي إلى حدوث ما يعرف بـ"الهروب الحراري".
الهروب الحراري هو تفاعل متسلسل داخل البطارية يتسبب في ارتفاع درجة حرارتها بشكل غير قابل للسيطرة. وعندما يتم تجاوز عتبة معينة، قد تشتعل البطارية وتطلق غازات قابلة للاشتعال، وفي بعض الحالات قد تنفجر. ما يجعل حرائق بطاريات الليثيوم-أيون خطيرة للغاية هو أنها تحترق بدرجات حرارة عالية جداً ويصعب إطفاؤها باستخدام الأساليب التقليدية. المياه، التي يمكنها تبريد الحرائق العادية، قد لا تكون فعالة، وتحتاج فرق الإطفاء إلى معدات خاصة للتعامل مع هذه الحوادث.
زيادة الدراجات الكهربائية والسكوترات
ازدادت شعبية الدراجات الكهربائية والسكوترات بشكل كبير، خصوصًا في المناطق الحضرية حيث تقدم وسيلة نقل خضراء وفعالة. نتيجة لذلك، أصبح العديد من الأشخاص يشترون هذه المركبات ويشحنون بطارياتها في المنازل، دون إدراك المخاطر التي قد تختبئ داخل هذه البطاريات. في مدن مثل نيويورك ولندن، بالإضافة إلى أمستردام وروتردام في هولندا، أبلغت إدارات الإطفاء عن زيادة في حرائق المنازل المرتبطة بشحن بطاريات الدراجات الكهربائية والسكوترات أو تعطلها.
تستخدم الدراجات الكهربائية والسكوترات بطاريات ليثيوم-أيون كبيرة، تخزن طاقة كافية لتشغيل هذه المركبات لمسافات طويلة. ورغم أنها آمنة وفعالة عند استخدامها بشكل صحيح، إلا أن البطاريات الرخيصة أو المصنوعة بجودة منخفضة، وغالبًا ما تكون واردات غير منظمة، تشكل مخاطر كبيرة. الشحن الزائد أو استخدام شواحن غير معتمدة أو تعريض البطارية للحرارة الشديدة يمكن أن يزيد من احتمالية اندلاع الحريق. وفي كثير من الحالات، قد لا يدرك المستخدمون أن بطاريتهم معيبة إلا بعد فوات الأوان.
على سبيل المثال، في عام 2023، شهدت أمستردام، عاصمة هولندا، عدة حوادث مدمرة مرتبطة باشتعال بطاريات الليثيوم-أيون الخاصة بالدراجات الكهربائية. أحد هذه الحوادث وقع في حي "نورد"، حيث اشتعلت النار في دراجة كهربائية كانت تُشحن في مرآب المنزل، مما أدى إلى حريق انتشر بسرعة في المبنى وأدى إلى خسائر مادية كبيرة. وفي حادثة أخرى في مدينة روتردام، اندلع حريق في مبنى سكني بسبب بطارية سكوتر كانت تُشحن في شرفة شقة، مما اضطر سكان المبنى إلى إخلائه على الفور.
عوامل تساهم في زيادة حرائق البطاريات
هناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع عدد الحرائق المرتبطة بالبطاريات. أحد الأسباب الرئيسية هو زيادة عدد البطاريات ذات الجودة المنخفضة، والمزيفة، أو المصنوعة بطريقة غير صحيحة، التي تدخل السوق. مع تزايد الطلب على الدراجات الكهربائية والسكوترات، يلجأ الكثير من المستهلكين إلى الخيارات الأرخص، دون معرفة المخاطر التي قد تنجم عن استخدام منتجات غير منظمة. هذه البطاريات ذات الجودة المنخفضة أكثر عرضة للأعطال مثل الدوائر القصيرة، التي تؤدي إلى ارتفاع الحرارة أو الانفجار.
سبب رئيسي آخر هو ممارسات الشحن غير الصحيحة. يترك الكثير من المستخدمين أجهزتهم تشحن طوال الليل، غير مدركين أن هذا قد يضع ضغطاً كبيراً على البطارية. في بعض الحالات، يتم ترك البطاريات على الشاحن لساعات طويلة تتجاوز الوقت الموصى به، مما يؤدي إلى ارتفاع حرارتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام شواحن غير متوافقة أو غير معتمدة قد يتسبب في تلف البطارية وزيادة خطر اندلاع الحريق.
سوء تخزين البطاريات يشكل أيضًا عاملاً مساهماً في المشكلة. يجب تخزين البطاريات في أماكن باردة وجافة، بعيداً عن أشعة الشمس المباشرة أو مصادر الحرارة. ولكن الكثير من الناس يتركون دراجاتهم الكهربائية أو السكوترات في المرائب، أو الأقبية، أو مناطق أخرى لا يتم التحكم في مناخها. مع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي التعرض للحرارة أو البرودة إلى تدهور المكونات الداخلية للبطارية، مما يزيد من احتمالية حدوث خلل.
مواجهة المشكلة والإجراءات الوقائية
نظرًا للتهديد المتزايد من حرائق بطاريات الليثيوم-أيون، يمكن اتخاذ عدة إجراءات للتخفيف من المخاطر. الوعي هو خط الدفاع الأول. تثقيف المستهلكين حول الاستخدام السليم للبطاريات، والشحن، والتخزين ضروري لمنع الحوادث. يجب على الشركات المصنعة وتجار التجزئة التأكيد على التحذيرات الأمنية وتقديم تعليمات واضحة حول كيفية شحن وصيانة هذه البطاريات.
يجب على المستهلكين شراء الدراجات الكهربائية والسكوترات والبطاريات البديلة فقط من مصادر موثوقة تلتزم بمعايير السلامة. على سبيل المثال، شهادة UL (مختبرات Underwriters) هي علامة على الأمان تدل على أن البطارية قد خضعت لاختبارات صارمة للتأكد من أنها تلبي متطلبات السلامة الصارمة. تجنب المنتجات المزيفة أو غير المعتمدة أمر بالغ الأهمية لتقليل خطر الحرائق.
كما يجب اتباع بروتوكولات الشحن الصحيحة. تجنب ترك الجهاز يشحن طوال الليل أو بدون مراقبة لفترات طويلة. يُفضل استخدام الشاحن الذي توفره الشركة المصنعة، لأنه مصمم خصيصاً لتلك البطارية. إذا تم فقد الشاحن الأصلي أو تلفه، يُنصح بشراء بديل من الشركة المصنعة نفسها أو مصدر موثوق. وتجنب استخدام الشواحن من جهات خارجية التي قد لا تتوافق مع متطلبات الجهد أو التيار الصحيح.
دور التشريعات والمعايير الصناعية
مع تزايد مشكلة حرائق البطاريات، بدأت الحكومات والهيئات التنظيمية في اتخاذ خطوات لفرض معايير أكثر صرامة. في بعض المناطق، يتم تنفيذ لوائح جديدة تتطلب من الشركات المصنعة الالتزام بمعايير أمان أعلى، مما يضمن اختبار البطاريات واعتمادها قبل بيعها للمستهلكين. إضافة إلى ذلك، تتعاون إدارات الإطفاء والحكومات المحلية لتوعية الناس وتطوير حملات توعية السلامة.
في هولندا، على سبيل المثال، يجري العمل على فرض قيود على بيع البطاريات والشواحن غير المعتمدة، واستهداف التجار الذين يبيعون المنتجات المزيفة أو الرخيصة. هذا التوجه نحو معايير صناعية أكثر صرامة يعد خطوة ضرورية للحد من ارتفاع حالات الحرائق المتعلقة بالبطاريات.